أهمية الإيمان بالأسماء والصفات:
معرفة الله أصل الدين, وركن التوحيد و أول الواجبات, لما بعث النبيe معاذاً إلى نحو أهل اليمن قال له: "فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات"[1]، الحديث صدر به البخاري كتاب التوحيد من صحيحه, وآيات الصفات لها فضل خاص كما في صحيح مسلم أن أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي وكلها أسماء وصفات, وحب الآيات والسور المتضمنة لها سبب لدخول الجنة كما في حديث البخاري في الصحابي الذي كان في سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاة فيختم بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص:1]، فلما أتاهم النبيe أخبروه الخبر, فقال: "يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك, وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟"، فقال: أني أُحبها، فقال: "حُبُّك إياها أدخلك الجنة"[2].
ولقد أمرنا الله بدعائه بأسمائه وصفاته فقال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف:180].
وقال النبيe: "إن لله تسعةً وتسعين اسماً مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة"[3]، (أحصاها: حفظها, أطاقها: تعبد لله بها).
والفرق بين المسلمين وبين اليهود هو في الأسماء والصفات إذ نسبوا إليه الفقر والتعب وغل اليدين والعجز -نعوذ بالله من ذلك-.
والفرق بين المسلمين وبين النصارى هو في الأسماء والصفات إذ نسبوا إليه الصاحبة والولد والموت والبكاء وسائر صفات المخلوقين حين قالوا: }إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ{ [المائدة: من الآية17].
وظن الجاهلية في صفات الله مهلك والعياذ بالله, فقد قال فيمن شك في صفة السمع والعلم لله تعالى
وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[فصلت:22، 23].
ومعرفة الله بأسمائه وصفاته ومحبته ودعاؤه بها والتعبد له بمقتضاها هي جنة الدنيا التي من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة, وأجمع المسلمون على فضل هذا العلم وشرفه, فمن قلل من شأنه أو قال عنه: إنه (ترف عقلي) أو (إنه انشغال بما غيره أولى منه) فهو ضال مبتدع.
العقيدة الصحيحة – عقيدة السلف :
(نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه, وبما وصفه به رسولهe, من غير تعطيل[4]ولا تحريف، ومن غير تكييف ولا تمثيل).
لم يختلف الصحابة ولا الذين يلونهم ولا الذين يلونهم في هذا الاعتقاد أبداً, وإجماعهم حجة على من بعدهم فيجب الإيمان (بكل) ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسولهe.
فليس هناك فرق بين بعض الصفات وبعضها, وليست صفات الله مقتصرة على سبع كما يعتقد الأشاعرة أو غيرها, بل كل ما ورد في الكتاب والسنة يجب الإيمان به, كالحياة, والسمع,والبصر, والقدرة, والإرادة, والعلم, والكلام, والرحمة, والمحبة, والرضا على المؤمنين, والسخط على الكافرين, والفرح بتوبة العبد حين يتوب إليه, والضحك لرجلين يقتل أحدهما الآخر فيدخلان الجنة, واليدين والقَدَم, كل ذلك على ما يليق بعظمة الله وجلاله.
والسنة أصل في ذلك, فالحديث الصحيح حجة بنفسه في العقائد, ومنها إثبات صفات الله تعالى.
ويدخل في التحريف: التأويل المذموم, الذي ابتدعه بعض الخلف لشبهات عقلية فاسدة كمن يؤول الاستواء بالاستيلاء, ومن يؤول اليدين بالقدرة، والحب والرضا والغضب بالإرادة مع نفي هذه الصفات واعتقاد أن ظاهرها لا يليق بالله, وقد أجمع السلف على الكف عن هذا التأويل, ولم يفسروا آيات القرآن ولا أحاديث الرسولe بهذه التأويلات البعيدة بل قالوا : (أمرُّوها كما جاءت) أي دالة على معانيها اللائقة بجلال الله, والإقرار بجهل الكيف, وعدم قدرة المخلوقين على الإحاطة به والحذر كل الحذر من التشبيه.
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الإخلاص:1-4].
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى: من الآية 11].
وكما قالت أم سلمة والإمام مالك : (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
ولذا فقد اتفق السلف على ذم الفلسفة وعلم الكلام, و أنه ليس مصدراً لمعرفة العقيدة ولذا كانت بدعة الجهمية في نفي الأسماء والصفات وتعطيلها وبدعة المعتزلة في نفي الصفات من شر البدع.
هل آيات الصفات وأحاديثها من المتشابه؟:
قال ابن عباس رضي الله عنهما لمن أنكر شيئاً من أحاديث الصفات: (ما فرق هؤلاء يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه)، فهي تشتبه على أهل الزيغ والضلال, وأما أهل العلم فهم الذين آمنوا بالكتاب كله, فردوا المتشابه إلى المحكم, فاتسق الكتاب كله, وعلموا الحق من الإيمان بصفات الله, بمعرفة معناها وجهل كيفيتها, فالتشابه الذي لا يعلمه إلا الله من ذلك هو حقيقة الصفات وكيفيتها, وأما المعنى فهو مما قال الله فيه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[ص:29]،لم يستثن متشابهاً ولا غيره.
فتفويض السلف تفويض كيف لا تفويض معنى، ومن نسب إليه أنهم يعتقدون نفي معاني الصفات وأنها حروف لا تؤدي معنى كالكلام الأعجمي, أو الحروف المقطعة في أوائل السور فقد جمع بين التعطيل وبين الجهل بعقيدة السلف والكذب عليهم, (التفويض هنا معناه رد العلم إلى الله والإقرار بجهل العباد في هذا الأمر).
التعبد بالأسماء والصفات حقيقة التوحيد:
وذلك بأن يمتلئ القلب بأجلِّ المعارف باستحضار معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى, ويتأثر القلب بآثارها ومقتضياتها ويدعو الله بها, فمثلاً:
أسماء (العظيم) و(الكبير) و(المتعال) و(المجيد) و(الجليل) تملأ القلب تعظيماً لله وإجلالاً له.
وأسماء (البر) و(الكريم) و(الجواد) و(المنان) و(الرحيم) و(الجميل) و(الودود) تملأ القلب حباً له وشوقاً إليه وحمداً له وشكراً.
وأسماء (العزيز) و(شديد العقاب) و(الجبار) و(القدير) تملأ القلب خضوعاً وانكساراً وذلاً وخوفاً ورهبةً منه سبحانه.
و أسماء (العليم) و(الخبير) و(السميع) و(البصير) و(الشهيد) و(الرقيب) و(الحسيب) تملأ القلب مراقبةً لله في الحركات والسكنات، وتؤدي بالعبد إلى أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه.
وأسماء (الغني) و(الغفور) و(التواب) و(المجيب) و(اللطيف) تملأ القلب افتقاراً إلى فضله ورجاءً لرحمته ورغبةً في منته.
نسأل الله أن يفتح لنا وللمسلمين أبواب هذا الخير الذي لا يوصف والسعادة التي لا تقارن, فإن ذلك لا يُنال إلا بفضله ورحمته.
[1] قال الإمام البخاري: وحدثني عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا الفضل بن العلاء، حدثنا إسماعيل بن أمية، عن يحي بن عبد الله بن صيفي أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس يقول: سمعت ابن عباس يقول: لما بعث النبيe معاذاً إلى نحو أهل اليمن قال له: "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد في فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوقَّ كرائم أموالهم" رواه البخاري (7372/12/359) التوحيد.
[2] رواه البخاري تعليقاً (774/2/298) الآذان، والترمذي (2901/3/160) ثواب القرآن، والتعليق الرغيب (2/244)، وصفة الصلاة (85).
[3]رواه البخاري (6410/11/218) الدعوات، ومسلم (2677/17/
الذكر والدعاء.
[4]التعطيل هو النفي، مثل نفي الجهمية لصفات الله كقولهم: "لم يستو على العرش"، "لم يكلم موسى تكليماً"، "لم يتخذ إبراهيم خليلاً".
أما التحريف فمنه:
أ. التحريف اللفظي: كقول بعض المعتزلة "وكلم اللهَ موسى تكليماً" لينفي صفة الكلام عن الله ويجعله من فعل موسىe، وإن كان يعجز عن ذلك في قوله: }وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ{ [ الأعراف: من الآية 143] بخاصة، فلا يحتمل ذلك.
ب. التحريف المعنوي: أي تحريف المعنى مع بقاء صورة النظركقول من قال: "الرحمن على العرش استوى: أي استولى"، ومن قال: "اليد: القدرة"، وكذا في قول النبيe: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" بقول أمره أو ملائكته لبعض صفات الرب سبحانه.
والتكييف: اعتقاد كيفية معينة لصفات الله سبحانه وقد قال تعالى: }ولا يحيطون به علماً{ [طه: من الآية 110]، والمنفي هنا هو إدراك الكيفية فالكيف مجهول، أي: هناك كيفية وحقيقة لصفات الله لكن نحن لا نعلمها، والتكييف أعم من التمثيل الذي هو التشبيه وهو أن يعتقد أن الله يشبه خلقه في صفاته، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.